لا تزال أزمة الأدوية تحتلّ صدارة سلسلة الازمات التي تعصف بلبنان، وخصوصا أزمة ادوية الأمراض المستعصية، فعلى الرغم من إعتماد وزارة الصحة “مؤشر” أي تسعيرة للأدوية غير المدعومة تتبدّل وفق سعر صرف الدولار في السوق الموازية في محاولة لضبط التفلّت الحاصل في اسعار الدواء، إلا أنّ ذلك لم يمنع التجار وبعض اصحاب الصيدليات في لبنان من تخزين الدواء وعدم بيعه للمريض بانتظار ارتفاع سعر المؤشر وبيع الادوية على السعر الجديد لتحقيق ارباح غير مشروعة!
الوزارة ليست بورصة
وفي هذا الاطار يشرح وزير الصحة فراس الأبيض في حديث خاص لـ”الديار” أنّ “مسألة المؤشر تصتدم بمشكلة التلاعب في سعر صرف الدولار، حيث يصعب على الوزراة تغيير المؤشر مع كل ارتفاع أو انخفاض يطرأ في سعر الصرف والذي يتقلّب أكثر من 4 مرّات في اليوم نفسه أحيانا، وبالتالي إذا ارتفع الدولار ولم تغيّر الوزراة المؤشر سيلجأ الصيدلي إلى تخزين الأدوية بانتظار رفع المؤشر، والوزراة ليست “بورصة” لتغيّر مؤشرها يوميا”
والمشكلة التي يعاني منها الصيادلة، برأي الأبيض، هي في ” الـREPLACEMENT COST أي المردود المادي الذي يجب أن يستحصل عليه الصيدلي مقابل الدواء الذي يبيعه ليمكنه من شراء دواء آخر، خصوصا وأنّ بعض الصيادلة اشتروا الأدوية على سعر صرف الـ30 ألف ليرة فكيف سيبيعونه اليوم وفق سعر صرف الـ24 الف ليرة، خسارة!”
ويعتبر الأبيض، أنّ “الحلّ يكون بتفعيل التفتيش، إلا أن الوزارة تعاني من نقص بعدد المفتشين، كما ان ّهؤلاء أيضا يعانون من ارتفاع الكلفة التشغيلية، حيث انهم يستهلكون سياراتهم الخاصة ليجولوا على الصيدليات، ما يكلّفهم بنزين، وزيت…”
ويضيف “استطاعت الوزارة تأمين الوقود من خلال بعض المساعدات الاجتماعية التي استحصلت عليها الـ”صحة”، كما اننا وقّعنا وثيقة تعاون بين وزارة الصحة ونقابة الصيادلة للاستعانة بالمفتشين لديهم وبالتالي توسيع الفريق، وأي مخالفة ستسجّل سيحال صاحبها أمام النيابة العامة التمييزية”
والحلّ الثاني، يكشف الأبيض، سيكون بمكننة حركة الدواء، وهي الخطة التي نسعى إلى تنفيذها، حيث انتهينا من تطوير السيستام الالكتروني، ودخلنا مرحلة التطبيق مع مرضى السرطان، بالتعاون مع 6 مستشفيات جامعية وحكومية، وهي: الجامعة الاميركية في بيروت (AUB)، الجامعة الاميركية اللبنانية (LAU)، hotel dieu، مستشفى الروم، مستشفى الحريري، ومستشفى النبطية. كما أنّنا بدأنا بتدريب 50 مستشفى. وتسجيل المرضى يبدأ الاسبوع المقبل”
وهذه مرحلة تجريبية، يقول الأبيض، “وإذا نجحت سنعممها، على الصيدليات، والمراكز الصحية”
ما أسباب انقطاع بعض الادوية؟
أمّا عن موضوع النقص في بعص الأدوية يشرح الأبيض أن ّ”المصرف المركزي قد حدد مبلغ معين لدعم الأدوية وهو 25 مليون دولار في الشهر، إلا ان ّحاجة السوق تتخطى هذا الرقم، والأدوية من المفترض انها تذهب للمرضى الأكثر حاجة اليها، إلا أنّ الشركات لم تعد تستورد emergency staf، أي أدوية للحالات الطارئة، بعد عدم دفع مصرف لبنان مستحقات هذه الشركات والتي تتراوح بين 270 و280 ملون دولار منذ أكثر من 6 أشهر، والسبب أن الكميات التي استوردتها هذه الشركات تخطّت القيمة المالية التي حددها مصرف لبنان، كما انه يجب التأكّد من ان طلب هذه الشركات يتماشى مع حاجة البلد. حيث أن الفائض بالكمية يشير الى:
- إما استيراد لكميات أدوية نحن غير بحاجة اليها
- إما هناك صفقات تحت الطاولة حيث تشتري هذه الشركات الادوية بأموال مدعومة ومن ثم تبيعها الى الخارج باسعار مرتفعة
- إما هناك تلف لهذه الادوية
كما ان الشركات لا تنسق فيما بينها على انواع الادوية التي يجب استيرادها والكمية، بل تكتفي كل شركة بطلب الكمية كلها، ما يجعل الكمية المطلوبة من قبل الشركات تفوق بكثير الحاجة الفعلية للسوق
لذلك استلمت وزارة الصحة مهمة ترشيد المبلغ المالي المعطى من قبل المصرف المركزي لدعم الدواء، وتحديد لوائح بالادوية المفروض استيرادها
وبالتالي أصبحت القيمة المدفوعة شهريا من قبل مصرف لبنان تنقسم بين 25 مليون دولار لدعم الادوية، و10مليون دولار لدعم المعدات الطبية”
هذا ويرى الأبيض أنّ “مسار الحصول على الموافقة لاستيراد الادوية طويل جدا، حيث انّه على الشركات المستوردة تقديم لوائح بالادوية والمبالغ إلى وزارة الصحة، وعلى الوزراة درس اللوائح وارسالها إلى مصرف لبنان الذي بدوره يعيد درسها ويعطي الموافقة عليها، لاعادة طلب الادوية وانتظار تسلمها، ما قد يأخذ اكثر من أسبوعين، وفي شهر كانون الاول من العام 2021 تصادفت هذه الظروف مع اقفال الشركات العالمية أبوابها لتخليص جرداتها السنوية، ما أخر عملية طلب الادوية إلى جانب مشكلة الشحن العالمية، فكلّ هذه العوامل أدت إلى ازمة شحّ بالادوية في الاسواق”
ازمة الأدوية الكرنتينا رهينة انعقاد مجلس الوزراء!
وعن أزمة الأدوية والمعدات الطبية في الكرنتينا، يتابع الابيض، “اليوم حلّت مشكلة شحّ الدواء في الأسواق، اما في الكرنتينا فالموضوع مختلف قليلا، لأن الوزراة كانت في صراع مع الشركات المستوردة والتي تحججت بعدم التسليم لعدم انعقاد مجلس الوزراء وعدم اقرار موازنة، خصوصا وأن موازنة وزارة الصحة صرفت مع نهاية عام 2021، وحاولنا طلب نقل اعتماد لتأمين الاموال المطلوبة، ولكن كل شيئ متوقف حتى انعقاد اول جلسة مجلس وزراء. ونحن ضغطنا على الشركات ومن المفترض ان تسلمنا الكميات المطلوبة”
مساعدات اميركية ومصرية
ويلفت الأبيض إلى “وجود إقبال كثيف على مراكز الرعاية الصحية، والذي ارتفع 5 أضعاف، ونحن اليوم نجتمع مع البنك الدولي، وستأتينا مساعدات كبيرة من مصر (أدوية لمراكز الرعاية الصحية) و97 طن من الادوية من الولايات المتحدة الأميركية”
وكشف الأبيض عن “حلحلة في ملف الأدوية، في الاسبوعين المقبلين، حيث تعمل الوزارة على استيراد أدوية بديلة بجودة عالية وأسعار منافسة، أقلّ بـ30% من سعر الأدوية الحالية”
كما نعمل على وضع بروتوكول لمرضى السرطان، وهو ما تعمل عليه لجنة الأمراض المستعصية التابعة لوزارة الصحة، برئاسة الدكتور عرفات طفيلي من الجامعة الاميركية في بيروت”
أزمة ادوية الأمراض المستعصية